معنى رب المشرقين والمغربين

معنى “رب المشرقين ورب المغربين” في القرآن الكريم

الآية “رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَيْنِ” هي إحدى الآيات التي وردت في القرآن الكريم في سورة الرحمن، وهي آية تحمل في طياتها معاني عظيمة ومعبرة عن قدرة الله تعالى وعظمته في خلقه وملكه لهذا الكون الواسع. على الرغم من بساطة الكلمات إلا أن تفسيرها يفتح أمامنا بابًا واسعًا لفهم قدرة الله على التحكم في جميع شؤون هذا العالم.

لفهم هذه الآية بشكل عميق، لابد من النظر في كل جزء منها، وخصوصًا المفردات “المشرقين” و”المغربين” ومعناها في هذا السياق. سنتناول في هذا المقال تفسير هذه الآية، دلالاتها اللغوية والشرعية، وكيفية ارتباطها بعظمة الله في هذا الكون.

دلالات الكلمات

1. المشرقين

كلمة “المشرقين” هي جمع “المشرق”، والمشرق هو المكان الذي تشرق منه الشمس، أي نقطة طلوع الشمس. ومعروف أن الأرض تدور حول محورها، مما يؤدي إلى ظهور الشمس في نقاط مختلفة على سطح الأرض تبعًا للموقع الجغرافي. ولذلك، فإن “المشرقين” يشير إلى نقطتي طلوع الشمس على الأرض في مكانين مختلفين، وهما:

• المشرق الأول: من جهة الشرق، حيث تظهر الشمس في المناطق الواقعة في الشرق من الأرض.

• المشرق الثاني: في الأماكن التي تختلف فيها الشروق في فترات زمنية أخرى نتيجة حركة الأرض، مثل المناطق القطبية.

2. المغربين

أما كلمة “المغربين”، فهي جمع “المغرب”، والمغرب هو المكان الذي تغرب فيه الشمس، أي حيث تختفي الشمس من الأفق. كما هو الحال في المشرق، فإن الشمس تغرب في مناطق متعددة على سطح الأرض تبعًا للموقع الجغرافي. وبالتالي، فإن “المغربين” يشيران إلى نقطتي غروب الشمس في الأرض:

• المغرب الأول: الغروب في جهة الغرب، وهي النقطة التقليدية التي نرى فيها الشمس تغرب.

• المغرب الثاني: كما في المشرق، يمكن أن يكون هناك مغرب آخر يشير إلى المناطق التي تغرب فيها الشمس في توقيتات أخرى أو بسبب حركة الأرض في مواقع معينة.

معنى الآية في سياق القرآن الكريم

الآية “رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَيْنِ” تأتي ضمن سياق يصف الله سبحانه وتعالى بكماله وقدرته على تدبير الكون وإدارته. وهي تظهر عظمة الله تعالى في أنه هو المالك والمتصرف في جميع الأماكن والأزمنة، ويفهم منها أن الله ليس مقتصرًا على حدود مكانية أو زمانية في إدارة هذا الكون، بل هو رب الكون كله بكل ما فيه من مشرق ومغرب.

1. التحكم الكامل في الأرض والشمس

تُظهر الآية قدرة الله المطلقة في التحكم في حركة الشمس والمغارب والمشارق. فالله الذي يخلق الفصول، ويدير الكون، هو الذي يحدد وقت شروق الشمس في مكان ومغيبها في آخر. ويُفهم من ذلك أن الله يملك زمام الأمور في السماء والأرض.

هذا التفسير يثبت أن الشروق والغروب ليسا مجرد ظواهر طبيعية تحدث بالصدفة، بل هي من تدبير الله وعنايته الكاملة بهذا الكون.

2. الربوبية المطلقة

الرب في اللغة العربية يعني السيد المتصرف الذي يملك ويأمر. عندما نقول “رب المشرقين” أو “رب المغربين”، فإننا نعني أن الله سبحانه وتعالى هو المتصرف في كل ما يخص هذه الأماكن، سواء من حيث الشروق أو الغروب، ولا يحدث شيء في الكون إلا بتقديره وإرادته. وفي هذه الآية، يظهر الله بصفته الرب التي تتعدى مجرد الخلق إلى الإحكام الكامل لهذا الكون، لا شيء يحدث من دون مشيئته وإرادته.

تفسير العلماء والمفسرين

1. تفسير ابن عباس

يقول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى يقصد بالمشرقين والمغربين هنا مشرق الشمس ومغربها في الصيف والشتاء. وقد أشار إلى أن هذه الآية تدل على قدرة الله على التحكم في التوقيت الزمني لنزول الشمس ومغيبها في كل عام، وهو ما يعكس تنوع أوقات شروق الشمس وغروبها بناءً على تغير الفصول والأوقات.

2. تفسير الطبري

في تفسير الطبري، يوضح أن المشرقين والمغربين قد يكونان إشارة إلى الأماكن التي تكون فيها الشمس في وقتين مختلفين من اليوم، سواء في الأماكن الشرقية أو الغربية. وعليه فإن الله هو المتصرف في الكون والمحدد لهذه الفترات الزمنية المختلفة للشروق والغروب.

3. تفسير القرطبي

يقول القرطبي في تفسيره أن “رب المشرقين” و”رب المغربين” يعني أن الله يملك المشارق والمغارب في جميع الأوقات، وهو الذي يتحكم في الشمس التي تشرق وتغرب في مواعيد معينة. وتعد هذه الآية دليلًا على حكمة الله البالغة في تدبير الكون وتنظيمه على أكمل وجه.

ما وراء الآية: العبرة والدروس

1. التأكيد على عظمة الله وقدرته

من خلال التأمل في الآية الكريمة، نستشعر عظمة الله وقدرته على تدبير الأمور بشكل كامل. فهو الذي يسيطر على حركة الشمس في الكون، في وقت شروقها وغروبها، وكل ذلك يحدث وفقًا لإرادته. لا شيء في هذا الكون يحدث بالصدفة أو من دون علمه. في كل لحظة، يُظهر الله قدرته وعظمته في أبسط مظاهر الطبيعة.

2. التوحيد والربوبية

تعتبر هذه الآية تأكيدًا على التوحيد في الربوبية. فالله وحده هو الذي يملك المشارق والمغارب ولا يشاركه في ذلك أحد. كما أن الله يحيط بكل شيء في الكون، ويعلم ما كان وما سيكون.

3. دور الشمس في حياة الإنسان

الشمس تمثل مصدرًا رئيسيًا للحياة على الأرض. فهي تضيء الأرض وتمنحها الدفء الذي يحتاجه الكائن الحي من أجل العيش. وقد ورد في القرآن العديد من الآيات التي تشير إلى الشمس ودورها في حياة الإنسان، وهذه الآية تبرز دور الله تعالى في تنظيم هذه الظاهرة الطبيعية.

4. التذكير بالآخرة

الآية قد تحمل أيضًا إشارة إلى تحول المشارق والمغارب في اليوم الآخر. فقد ذكر العلماء أن هذه الآية قد تكون تلميحًا إلى كيف ستكون الأمور في الآخرة عندما يتغير كل شيء في الكون ويحدث انقلاب في طبيعة الشمس ومواضعها. والهدف من ذلك هو تحفيز الإنسان على التفكير في الآخرة وأنه لا بد من الاستعداد لها.

الختام

آية “رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَيْنِ” تبرز عظمة الله وقدرته في تدبير هذا الكون، وتعد دعوة لنا للتفكر في قدرة الله سبحانه وتعالى، وللتأمل في كل ما يحيط بنا من ظواهر طبيعية تحدث بتقديره. هذه الآية تشعرنا بأننا في عالم تديره يد الله المبدعة، وأنه لا شيء يحدث في هذا الكون دون مشيئته.